شهدت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة تحولات كبرى في قطاع السياحة، كان للمرأة نصيبٌ بارز فيها، سواء على مستوى السائحات المحليات أو الزائرات الدوليات. فقد أصبحت المملكة وجهة مفضلة وآمنة للنساء من مختلف أنحاء العالم، بفضل الإصلاحات التشريعية، وتطوير البنية التحتية، وإطلاق حملات تسويقية مبتكرة تستهدف إبراز مكانة المملكة كوجهة عالمية عصرية.
السياحة النسائية الأجنبية
بحسب تقرير Skift، بلغت نسبة النساء نحو 44 % من إجمالي الزوار الدوليين للمملكة في عام 2024، أي ما يقارب 13.2 مليون امرأة. هذه الأرقام تعكس تنامي أهمية السياحة النسائية الدولية، بعدما كان التركيز في السابق موجهاً نحو دور المرأة السعودية فقط.
تمثل هذه النسبة المرتفعة دليلاً على أن النساء يشكلن شريحة محورية في سوق السياحة السعودي، الأمر الذي يستدعي تطوير برامج وخدمات مخصصة تلبي اهتماماتهن وتضمن لهن بيئة آمنة ومرحبة.
حملة “This Land is Calling”
من أبرز المبادرات الترويجية التي ساهمت في تعزيز حضور المرأة في السياحة السعودية حملة “This Land is Calling”، التي جاءت تحت عنوان “Saudi Odyssey” وأطلقتها الهيئة السعودية للسياحة في أغسطس 2024. الحملة، التي أخرجها المخرج العالمي أنطوان باردو-جاكيت بالتعاون مع وكالة BETC Havas في باريس، جسدت صورة امرأة تسافر بمفردها عبر المملكة، مستكشفةً تنوعها الطبيعي والثقافي، ومختبرةً كرم الضيافة السعودية.
لقد شكلت هذه الصورة رسالة قوية مفادها أن السعودية باتت وجهة آمنة، لا تقتصر على العائلات أو المجموعات، بل تحتضن أيضًا النساء المسافرات بمفردهن.
عناصر نجاح الحملة
ركزت الحملة على أربعة محاور أساسية:
أولا تجارب نسائية ملهمة: إظهار المرأة كمستكشفة قادرة على خوض رحلات فردية داخل المملكة بأمان وراحة. قصص الزائرات المنفردات توضح فعالية السياسات الحديثة، مثل تجربة سارة، الموظفة من دبي، التي أكدت سهولة سفرها واستمتاعها بتجربة آمنة ومريحة في المملكة، سواء في المدن الكبرى أو المناطق النائية.
كما يشارك عدد من السائحات تجاربهن الإيجابية على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرات إلى شعورهن بالراحة والأمان أثناء التنقل في مختلف أنحاء المملكة، سواء عبر الرحلات البرية أو الجولات المنظمة.
ثانيا التنوع الطبيعي والثقافي: إبراز المناظر الخلابة من الصحاري إلى الجبال، ومن المواقع التاريخية إلى المهرجانات الثقافية.
ثالثا كرم الضيافة السعودي: تقديم صورة حقيقية عن الدفء والترحاب الذي يميز المجتمع السعودي.
رابعا التسويق العالمي الذكي: استثمار وسائل التواصل الاجتماعي والتعاون مع مؤثرين عالميين للوصول إلى جمهور نسائي أوسع.
التأثير والنتائج
ساهمت حملة “This Land is Calling” في:
• تعزيز صورة السعودية كوجهة سياحية آمنة وجاذبة للنساء.
• رفع الوعي العالمي بتجارب السفر النسائية في المملكة.
• دعم مستهدفات رؤية السعودية 2030، خصوصًا فيما يتعلق بزيادة مساهمة السياحة في الاقتصاد وتعزيز تمكين المرأة في القطاع.
إجراءات السلامة والتسهيلات
قامت المملكة بإدخال سلسلة من الإصلاحات التي تسهل على النساء السفر والإقامة بمفردهن، بما في ذلك:
• السماح للنساء بالإقامة في الفنادق دون الحاجة لوصيّ ذكري.
• التأكيد على سلامة النساء أثناء التنقل داخل المدن والمناطق السياحية.
• توفير خدمات النقل المخصصة للسائحات مثل ميزة “القيادة النسائية” التي أطلقتها شركة أوبر، حيث يمكن للزائرات اختيار سائقات نساء لتجربة أكثر أمانًا وراحة.
هذه الإجراءات تعكس التزام المملكة بتقديم تجربة سياحية آمنة ومحفزة للنساء من جميع أنحاء العالم.
المرافق والخدمات
تم تعزيز البنية التحتية والخدمات لتلبية احتياجات السياحة النسائية:
• تحسين خدمات النقل مثل سيارات الأجرة وأوبر، مع خيارات للسائحات.
• تطوير مرافق الفنادق لتوفير خصوصية وأمان إضافي.
• تقديم برامج سياحية مخصصة للنساء تشمل جولات ثقافية، رياضية، وتجارب ترفيهية.
هذه المبادرات تجعل تجربة السياحة النسائية أكثر سهولة وراحة، وتعكس الاهتمام الكبير بالزائرات الدوليات.
أبرز الوجهات والمعالم
السعودية تتميز بتنوع طبيعي وثقافي هائل، يشمل:
• المواقع التاريخية مثل مدائن صالح (هجرة) وواحة الأحساء والبلدة القديمة في جدة.
• الأماكن الطبيعية الخلابة والمناطق الصحراوية الواسعة، والتي توفر تجارب فريدة لممارسات السياحة البيئية والفلكية، مثل حدائق السماء المظلمة في العلا.
• مناطق حديثة لم يزد عليها السياح بعد، ما يتيح فرصة استكشافها بشكل أكثر هدوءًا وخصوصية.
تسعى المملكة العربية السعودية من خلال الإصلاحات التشريعية، التسهيلات، والبنية التحتية المحدثة، بالإضافة إلى الحملات التسويقية الموجهة للنساء، إلى أن تصبح وجهة مفضلة للسائحات الدوليات. هذه الجهود تأتي ضمن رؤية السعودية 2030 لتعزيز السياحة النسائية، وفتح المجال للنساء من جميع أنحاء العالم لاستكشاف المملكة بأمان وراحة.
باختصار، أصبحت السعودية اليوم تجربة فريدة للمرأة المسافرة، تجمع بين الأمان، الثقافة، الجمال الطبيعي، والتاريخ الغني، مما يجعلها وجهة سياحية مثالية للنساء الباحثات عن المغامرة والاستكشاف.
نحو مستقبل أكثر إشراقًا
إن ازدهار السياحة النسائية الدولية في السعودية ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو جزء من تحول استراتيجي شامل. ومع استمرار الجهود في تطوير البنية التحتية، وتوسيع نطاق الحملات التسويقية العالمية، وتقديم منتجات سياحية موجهة خصيصًا للنساء، فإن المملكة مرشحة لتكون واحدة من أبرز الوجهات العالمية للسائحات خلال العقد القادم.